في خضم التصعيد المتواصل بين إيران وإسرائيل، تبرز القدرات الصاروخية الإيرانية كعامل حاسم أعاد رسم ملامح التوازن العسكري في المنطقة. لم تعد المواجهة تُقاس فقط بحجم الترسانة أو سرعة الرد، بل أصبحت تُقاس بالدقة، والقدرة على الردع، وتكلفة المغامرة. فإيران، التي كانت تُتَّهم لسنوات بأنها تتبنى سياسة “الرد المتأخر”، باتت اليوم تمتلك منظومة صاروخية دقيقة وبعيدة المدى، قادرة على ضرب أهداف استراتيجية داخل العمق الإسرائيلي، وهو ما شكّل تحوّلًا نوعيًا في معادلة الصراع.
هذه التطورات فرضت على إسرائيل إعادة النظر في حساباتها، لا سيما في ظل التحديات الأمنية المتراكمة من أكثر من جبهة. وبينما تراهن تل أبيب على تفوقها التكنولوجي والدعم الغربي، تبدو طهران وقد بنت استراتيجية ردع فعالة، تتكئ على منظومات هجومية ودفاعية متطورة، ورسائل ميدانية تتجاوز حدود التصريحات الدبلوماسية.
لم تكن إسرائيل تتوقع ردًا بهذا الحجم، ولا أن يتلقى مثل هذا الرد دعمًا إعلاميًا هائلًا. لقد تفوّق الذكاء الإعلامي الإيراني بشكل ملحوظ على جميع الخطط الإسرائيلية، ولعل اختيار توقيت الهجوم ليلًا كان العامل المساعد الرئيسي في جعل الصواريخ الإيرانية مرعبة. لماذا؟ ببساطة لأن الصواريخ ليلًا يصعب تعقبها وتتبعها والتصدي لها، والأهم من ذلك أن مشهدها وهي تشق السماء في الظلام يُعد مهيبًا ومرعبًا للأعداء. لقد كان استغلال إيران لعنصر الليل تكتيكًا استثنائيًا بامتياز.
ورغم العقوبات الغربية والضغوط العسكرية المتكررة، نجحت إيران على مدار العقود الثلاثة الماضية في بناء منظومة صاروخية تُعد من بين الأكثر تنوعًا في المنطقة. بدأ هذا التطوير كجزء من حاجتها لتعويض ضعف سلاحها الجوي بعد حربها مع العراق، ليتحوّل لاحقًا إلى عمق استراتيجي يعزّز قدرتها على الردع ويفرض معادلات جديدة في المواجهات الإقليمية.
الصواريخ الباليستية الإيرانية مثل “قَدَر” و”سَجّيل” و”خُرّمْشَهر” باتت تغطي كامل الأراضي الإسرائيلية، وهي مجهّزة برؤوس حربية شديدة الانفجار، بعضها بدقة محسّنة بفضل التحديثات التي أجرتها طهران على منظومات التوجيه. كما دخلت إيران في السنوات الأخيرة مرحلة “الصواريخ الذكية” التي تستهدف أهدافًا محددة بدقة، ما يقلّل من هامش الخطأ ويزيد من الأثر التكتيكي لأي ضربة.
الأهم من ذلك، أن القدرات الصاروخية الإيرانية لم تعد مجرد أداة للرد، بل أصبحت جزءًا من استراتيجية هجومية وقائية، تُستخدم لردع أي هجوم مباغت من الجانب الإسرائيلي، من خلال التهديد المسبق بضرب العمق الحيوي للدولة العبرية، بما في ذلك منشآت عسكرية ومدنية حساسة.
وإلى جانب الصواريخ، أضافت إيران إلى ترسانتها الآلاف من الطائرات المسيّرة المتطورة، بعضها انتحاري، وبعضها مخصص للاستطلاع أو التشويش. وقد أثبتت هذه المسيّرات فعاليتها في النزاعات الأخيرة في المنطقة، وأظهرت قدرة على تجاوز الدفاعات الجوية الإسرائيلية عند استخدامها في هجمات متزامنة ومنسّقة.
بهذه القدرات المتصاعدة، لم تعد إيران فقط “تُهدد”، بل باتت تمتلك الوسائل العملية لـ”تنفيذ التهديد”، وهو ما يُغيّر قواعد الاشتباك ويضع إسرائيل أمام واقع أمني جديد تمامًا.
إن ما نشهده اليوم من تطور نوعي في القدرات الدفاعية والهجومية للجمهورية الإسلامية في إيران ليس مجرد إنجاز عسكري، بل هو انعكاس لثبات عقائدي واستراتيجي في وجه قوى الغطرسة والاحتلال. وفي ظل تصاعد التهديدات، يثبت محور المقاومة بقيادة إيران أنه قادر على فرض معادلات ردع حقيقية، تقف بوجه العدوان وتُحدث توازنًا يُحسب له ألف حساب.
وفي الختام، نسأل الله العلي القدير أن يحفظ الجمهورية الإسلامية من كيد الأعداء، وأن ينصرها بنصره العزيز، ويثبت أقدام رجالها في ميادين المواجهة، وأن يجعل بأسهم في نحر أعدائهم، وأن يُرينا قريبًا زوال الكيان الغاصب وعلو كلمة الحق في أرض المستضعفين.