الزيارة الأربعينية ليست مجرد تجمع ديني أو مسيرة بشرية، إنها مشهد رباني مهيب يتجدد كل عام، يجمع القلوب والعقول على حب الإمام الحسين “عليه السلام”، ويعيد إلى الذاكرة معاني التضحية والفداء التي خلدها يوم كربلاء ..
لكن هذه الزيارة العظيمة لم تصل إلى هذا الزخم الإيماني والعدد المليوني الخارق إلا بفضل دماء الشهداء التي ارتوت بها أرض العراق، منذ انتفاضة صفر المجيدة وما قبلها وحتى يومنا هذا.
انتفاضة صفر، التي واجه فيها أبناء العراق المؤمنون بطش البعث الكافر، كانت إعلاناً واضحاً أن الإمام الحسين “عليه السلام” حيّ في قلوب أتباعه، وأن طريقه محفوف بالتضحيات ..
أولئك الشهداء الذين قدّموا أرواحهم في مواجهة الطغيان، مهدوا الطريق لحرية الشعائر، وصانوا حق الأمة في زيارة الإمام الحسين “عليه السلام”، رغم سطوة السجون والمشانق.
اليوم، حين نرى ملايين الزائرين يفدون إلى كربلاء المقدسة سيراً على الأقدام من كل حدب وصوب، فإننا نرى فيهم امتداداً لتلك الانتفاضة، ونقرأ في خطواتهم وصبرهم صدى دماء الشهداء التي أزهرت مواكب الخدمة ..
أبناء العراق البررة، الذين يفتحون بيوتهم وينصبون مواكبهم، يقدمون الطعام والشراب والخدمات بكل حب وتفانٍ، هم جنود الإمام الحسين “عليهم السلام” في زمن السلم، كما كان الشهداء جنوده في زمن القمع والطغيان.
إن الزيارة الأربعينية بهذا الزخم الرباني الكبير، هي ثمرة دماء طاهرة وخدمة مخلصة، ولولا هذين الركنين لما استطاع هذا المشهد الحسيني أن يتجدد كل عام بهذا الحضور العالمي المذهل، الذي يُـفشل كل مؤامرات الأعداء ويثبت أن الإمام الحسين “عليه السلام” حيّ في قلوب الأحرار إلى قيام الساعة.