ليست هذه المرة الأولى التي تزداد فيها حدة التوترات بين الهند وباكستان، فالتاريخ يشهد على وقوع حروب عسكرية ونزاعات سياسية متكررة بين البلدين. قبل انفصالهما، كانت الطائفية وعمليات التطهير العرقي هي السائدة، إذ كانت الصراعات بين الهندوس والمسلمين متجذّرة بعمق في وعي كلا الشعبين.
فقد كانت الحروب الدينية شائعة قبل عام ١٩٤٧، وهو العام الذي تم فيه تقسيم شبه القارة الهندية إلى دولتين مستقلتين. تارة كان الهندوس يهاجمون المسلمين، وتارة أخرى كان العكس يحدث. هذه الصراعات خلّفت وراءها دمارًا واسعًا، حيث انتشرت الحرائق، وتهجّر السكان، وسقط العديد من الأبرياء قتلى. حتى المهاتما غاندي، الذي عُرف بنزعته السلمية، لم يتمكن من إيقاف سيل الدماء، بل قُتل هو نفسه على يد أحد الهندوس المتطرفين في عام ١٩٤٨ لأنه سعى للسلام مع المسلمين.
إن التوترات التي نراها اليوم ليست سوى امتداد لتلك الحروب الطائفية. فبينما يبدو النزاع على كشمير هو السبب الظاهر، فإن جوهر الصراع طائفي بحت.
⸻
“كشمير وأهميتها للطرفين”
تُعد كشمير منطقة مهمة لكلا الجانبين، وكانت سببًا مباشرًا أو غير مباشر في معظم الحروب والنزاعات بين باكستان والهند.
وربما تتساءل: لماذا هي سبب ثانوي؟ لأن كشمير، ببساطة، ليست سوى ذريعة تُخفي وراءها جذورًا أعمق ترتبط بالعداء الديني والتاريخي بين البلدين.
ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن كشمير تحمل أهمية كبيرة من جوانب مختلفة:
- الأهمية الدينية
كشمير ذات أغلبية مسلمة، وهو ما يجعل باكستان تعتبرها جزءًا طبيعيًا من أراضيها، وترى في الدفاع عنها واجبًا دينيًا.
- الأهمية السياسية
كشمير هي الولاية الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة داخل الهند. ويُعد الحفاظ عليها بمثابة إثبات على علمانية الدولة، التي تزعم أنها تحتضن كل الأديان.
- الأهمية العسكرية
موقع كشمير استراتيجي للغاية، إذ تطل على كل من الصين، باكستان، وأفغانستان. وهذا يجعلها ذات أهمية عسكرية فائقة للطرفين.
- الأهمية الاقتصادية
رغم أن أهميتها الاقتصادية ليست واضحة كالأبعاد الأخرى، إلا أن كشمير منطقة غنية بالموارد الطبيعية، وتُعد مهمة في مجالات المياه والزراعة والسياحة.
⸻
“تاريخ الحروب بين البلدين”
شهدت العلاقات بين الهند وباكستان أربع حروب كبرى:
١. حرب ١٩٤٧–١٩٤٨ (الحرب الأولى على كشمير):
اندلعت بعد إعلان انضمام كشمير إلى الهند، وهو ما رفضته باكستان. انتهت الحرب بتقسيم الإقليم بين الطرفين.
٢. حرب ١٩٦٥ (الحرب الثانية على كشمير):
حاولت باكستان إشعال تمرد في كشمير، لكن هجومها فشل. أُعيدت الأوضاع إلى ما كانت عليه بعد تدخل سوفييتي عبر اتفاقية طشقند.
٣. حرب ١٩٧١ (حول باكستان الشرقية – بنغلاديش حاليًا):
دعمت الهند استقلال باكستان الشرقية، ما أدى إلى هزيمة كبيرة لباكستان وظهور دولة بنغلاديش.
٤. حرب كارغيل ١٩٩٩:
تسللت قوات ومسلحون باكستانيون إلى مواقع هندية في كارغيل. استعادت الهند هذه المواقع بعد معارك عنيفة وضغوط دولية.
بالإضافة إلى تلك الحروب، كانت هناك أزمات عسكرية خطيرة، مثل أزمة ٢٠٠١–٢٠٠٢، وأحداث ٢٠١٦ و٢٠١٩ التي شهدت تبادلًا للضربات الجوية.
⸻
“ختامًا”
ما يحدث اليوم من أزمات وصراعات وتوترات بين دول مثل الهند وباكستان، الصين وتايوان، روسيا وأوكرانيا، أذربيجان وأرمينيا… كلها ليست صدفة.
غالبًا ما تقف خلف هذه النزاعات أطراف تسعى لاستمراريتها، لأن الحروب - سواء الباردة منها أو الساخنة - لها مستفيدون، سواء من تجار السلاح، أو قوى عظمى تُريد فرض نفوذها من خلال إشعال الفتن بين الدول.