مَع نشوبِ أيّ حربٍ أَو صِراعٍ بينَ أيّ جِهتينِ أَو دَولتينِ مُتخَاصِمتينِ فِي العَالم، تُثار جَدلية الاِنتصار وَالهزيمة بينَ عامّة الناس وَبِصرفِ النظرِ عن الأَهواء والعواطِف، ثَمّة أُمور تنتمي إلىٰ المبدئيات وَتَتبع الحقائق وَلا تُبنىٰ علىٰ الآراء والمُعتقدات الشخصيّة، فَلَم تَعُد القوّة العسكرية مِعياراً لمَفهومي الاِنتصار والهَزيمة في الحُروبِ الحديثة، وَكمَا يُقال: الحربُ تُكسب بالعقول لا بالمُعِدات، لِذا فاِنَّها تُقاس مِن خِلالِ عِدّة مَعايير أَساسية، أَهمها القُدرة علىٰ الحِفاظ علىٰ مَبدأ المُبادرة وَفَرض الاِرادة.
في فجرِ يوم ١٣ حزيران ٢٠٢٥، شنَّ الكيان الصِهيوني هَجمات علىٰ عَشرات الأَهداف الاِيرانية بِزَعم وَقف توّسع البرنامج النووي، اِستهدفوا خِلالَها كِبار قادة قوّة الجو - فضاء التابعةِ للحرسِ الثوريّ الاِيراني فِي مُحاولةٍ مِنهم لِشلَّ قُدراتِهِم وَتدمير مُقدارتِهم وَهذا مَا يُسمىٰ بِمبدأ الصدمة والترويع وَلكِن المُفاجأة كانت بِسُرعةِ الاِستِجابةَ حيث تمكّنت قوّات الحرَس الثوريِ مِن الردِّ وعلىٰ مستوٍ اِستراتيجيٍ وَاِستعراضٍ مُذهلٍ للقوّة يُبيّن مَدىٰ الاِستِعداد وَالجاهزيّة لِمُواجَهة التَهديدات المُحتَملة وَتَنفيذ الأَوامِر العسكريّة فِي أَيِّ وَقتٍ وَتَحتَ أيِّ ظَرفٍ، وَهٰذا اِن دلَّ علىٰ شيءٍ فَاِنَّه يَدِلُّ علىٰ :
١. الاِستخبارات الفعّالة لِقوّات الحَرس الثوريّ وَدورها فِي تعزيزِ القرارِ الاِيراني وَدعِم ميدانِ المَعركة مِن خِلال تحديد مكامِن القوّة والضَعف لدىٰ الكيان والاِستجابةِ السريعة لِمُعالجة مَلفِ الاِختراق الداخلي (العُملاء)، وَالذّي يُعزىٰ لِتَرامي أَطراف حُدود جمهورية ايران الاِسلاميّة وَالتي تُساعِد علىٰ القيام بعمليات التَسلُّل وَيُعقد مِن اِمكانيّة فرض السَيطرة الأَمنيّة وَكذٰلِك تعدُّد القوميّات وَصعوبة الوَضع الاِقتصادي الذّي يَمرُّ بِهِ البِلد وَبالمُقابل نَجحت أَجهزة الاِستخبارات الاِيرانية في تَجنيد عددٍ كبيرٍ من الجوّاسيسِ دَاخل الكيّان رُغم الاِنغلاق العَسكري وَالجُغرافي.
٢. الحِفاظ علىٰ مَبدأ المُرونة وَالقُدرة علىٰ تَغيير الخُطط وتنفيذها بناءً علىٰ الظُروف المُتغيّرة في مَيدانِ المعركة، فَعلىٰ الرَغمَ مِن اِغتيّال قادةِ وَآمري أَهمِّ المَفاصِل الرئيسية فِي الهيكل التَنظيمي لِقوّات الحَرسِ الثوريّ، اِلاّ أنَّه أَعاد تَنظيمِ صِفوفهِ وَأَشغَل المَواقِع المُستهدفة، وَفي مُحاولةٍ ناجِحة تمكّنوا مِن اِستهدافِ عددٍ مِن قَادةِ وَآمري جيشِ الكيّان.
٣. تَوظيف المَوارِد البشريّة وَالماديّة وَالمَعلوماتية أَو مَا يُسمىٰ بنِظام القيادَة وَالسيطرة، في حلِّ المُعضِلات وإنجاز المهام بِما يَتناسَب مَع نِظامِ مَعركة الخَصُم أيّ القُدرة علىٰ التحكّم بجَميع المَوارِد المُتاحة لِمواجَهة الهَجمات الصاروخية المُكّثفة وَلأَكثر مِن ١٢ يوماً.
٤. التَنسيق الجيّد بينَ جَميع وحدات القوّات العسكريّة والقُدرة العالية علىٰ تَنسيق المَوارِد بكفاءة وفعّالية وَتَخصيصها بشكلٍ مناسبٍ لتحقيق الأهداف المرجوّة، مِن خلالِ اِسناد مَيدان المعركة - الاِسناد الصاروخي - وتَفعيل منظومة الدفاع الجويّ أَو شنِّ الهَجماتِ السيبرانيّة ومُكافحة الخُروقات المُعادية في آنٍ واحِد.
٤. القُدرة العالية علىٰ المُباغتة وَالمُناوَرة وَتطبيق مَبدأ أَمن العمليات، حيث فَشَلت قوّات الكيان الصِهيوني فِي كَشفِ مُعظَم مَنصّات الاِطلاق أو تَدمير مَواقِعِها، مِمّا ساهَم في الحِفاظ على المَواقِع الصاروخية المُحصّنة وَالطائِرات المسيّرة المَخفيّة وَبالتالي الحِفاظ علىٰ عامِل الجُهوزية القِتالية.
أَمّا فِيما يخصّ نتائِج المَعركة، فَلا يَخفىٰ علىٰ الجميع أَنّ الكيان الصِهيوني يَمتاز بِتطوّر قُدراتهِ التكنولوجية - الدِفاعيّة وَالهجوميّة - اِضافةٍ للدَعم الدولي وَعلىٰ جَميع المُستويات، اِلاّ أنّه لَم يَنجح في الوُصولِ اِلىٰ الأَهداف التي كانَ يَسعىٰ لتحقيقها، فَالمُنشآت النووية الاِيرانية لم تُدمّر بالكامل وَالبُنية التَنظيمية للحَرسِ الثوريّ أَصبحت أَكثر تَماسُكاً وَقوّة رُغم فُقدان قيادتهِ العُليا والتَمكّن مِن الاِحتفاظ بمَبدأ المُبادَرة حتىٰ آخرِ لَحظة، حيثُ أَنّ الصَواريخ الباليستيّة الاِيرانيّة المُطوّرة مَحليّاً بالكامِل كانَ يَتَطلّب لاِيقافها، اِستخدام أحدث التقنيات وَأكثرها تَكلفةً علىٰ الكيّان وِحلفائهِ، فَهيَ تُواجه القوّات الأَمريكية المُتمركِزة في العِراق وَطائِرات رَافال الفرنسية المُقاتِلة المُنتشِرة في دَولةِ الاِمارات وَمُدمِرات الصواريخ المُنتَشِرة فِي الخَليج وَكذٰلِك الدفِاعات الجويّة الأَردنية وَسِلاح الجوّ المَلكي البريطاني وَأَخيراً مُوّاجهة نِظام مِقلاع داوود وَالقُبّة الحديدية لتصِل أَهدافِها المَرسومَة، وَبِسبب فَشلٍ صدِّ الهَجماتِ الاِيرانيّة
حَصَل فَشلاً غَيرَ مُتوقّع في مَنظومَةِ القِيادةِ وَالسيطرة - حَسب التَصريحاتِ الصادِرة عَن جيشِ الكيان وَحكومَتة - وَبالتالي فَاِنَّه عكسَ مَا هوَ أَعمق مِن مُجردِ خَللٍ في التَنسيق، كمَا عزّزت المَعركة مِن ثِقةِ المُجتَمع الاِيراني بِقيادتهِ بِشكلٍ خاصٍ ودُول المِحور بِشكلٍ عام وَلا سِيما سَماحَة المُرشد الأَعلىٰ القائِد السيّد علي الخامَنئي دَامت برَكاته وذلِك نَقيض مَا حَصل مِن مُطالباتٍ شَعبيّة - داخل الكيّان - باِيقاف الحرب لِما لَحق بِهِم مِن أَضرارٍ بَشريّةٍ وَمَاديّة، وَبِذٰلك تَكون الغَلبَةَ للجمهورية الاِسلامية الاِيرانيّة وَهذا مَا مَنَحها القُدرة علىٰ فَرضِ اِرادَتها وَأَعطاها الأَولويّة فِي التفاوِض مَع الاِحتِفاظ بِاِمكانياتها وقوّتها السياسيّة والعسكريّة.