السياسة وفق منظور المستكبرين ليس لها دين ، دينها الثابت هو المصالح لا يوجد ارهابي على الدوام ، لطالما أن ذلك الإرهابي يعرف كيف يعزف على وتر سياسة المصالح … من الواضح أن ٤٠٠ مليون دولار ثمن طائرة قدمت كهدية من قبل قطر ، إلى المجرم ترامب ، لم تكون شيئًا أمام مليارات الدولارات التي قدمتها السعودية .
من كان يظن أن مشهد “أبو محمد الجولاني” سابقاً، الرئيس أحمد الشرع حالياً، وهو يصافح ترامب بابتسامة رسمية في قصر الرياض، سيكون واقعاً سياسياً تُبنى عليه ترتيبات الشرق الأوسط الجديد كما يزعمون؟
المشهد الصادم لم يكن مجرد لحظة رمزية، بل إعلان صارخ عن أن الزمن تغيّر، وأن التحالفات التي كانت تُبنى على الأيديولوجيا باتت تُستبدل بلعبة المصالح وموازنات القوى. لقد نجحت السعودية، ومعها تركيا، في سحب الجولاني من حضن الدوحة بهدوء، لتقدمه على طبق من ذهب للإدارة الأميركية العائدة بعقيدة الصفقة، لا المبادئ.
•مقايضة كبرى في قلب الرياض
زيارة ترامب إلى الرياض ليست جولة علاقات عامة، بل كانت قمة مغلقة لإعادة توزيع النفوذ. الجولاني، الذي كان رمزاً للفصائل الجهادية المسلحة، بات رئيساً لـ”سوريا الجديدة”، في اتفاق رعته السعودية وباركته تركيا، وغسلت واشنطن يديها من سجل الرجل الأسود بعبارة ترامب الشهيرة: “فرصة للعظمة”. ما جرى هو باختصار: رفع عقوبات مقابل اصطفاف سياسي، شرعية دولية مقابل ولاء لمحور الخليج، والأهم: إنهاء الدور القطري في شمال سوريا بهدوء مدوٍ.
•قطر في ورطة.. الصمت لا يُجدي
الدوحة التي راهنت لعقد كامل على مشروع الجولاني، وموّلته سياسياً وإعلامياً، تلقت الصفعة بصمت حتى الآن. لكن السؤال الأهم: هل تصمت طويلاً؟…ففي لحظة واحدة، وجدت نفسها خارج غرفة القرار، بينما يجلس خصومها الإقليميون –السعودية وتركيا– مع ترامب لصياغة مستقبل سوريا دونها.
قطر اليوم أمام خيارين أحلاهما مرّ:
إما اللحاق بالركب وتقديم التنازلات للرياض وأنقرة على حساب طموحاتها في الشمال السوري…أو فتح جبهة جديدة لإفشال شرعية الشرع، ورفع كلفة التحول عليه، سواء عبر أدوات الإعلام أو القوى الميدانية المرتبطة بها، لكن اللعبة تغيرت. فالرجل الذي كان يُستخدم كأداة أصبح اليوم لاعباً في الملعب الدولي برعاية الرياض، وهذا يتطلب من الدوحة إستراتيجية جديدة بالكامل.
•المنطقة مقبلة على غربلة واسعة
ما حدث في الرياض ليس حدثاً معزولاً. إنه جزء من مشروع إعادة تشكيل المنطقة على أسس “صفقة الشجعان” وأن صح التعبير ( صفقة الذل والخضوع) لا “تحالفات العقيدة”. سوريا خرجت من دائرة الحرب لتدخل في مربع الاستثمار السياسي. الخليج، بقيادة السعودية، يستعيد زمام المبادرة، ويقدم نفسه كمنصة لحسم الملفات العالقة، من لبنان إلى اليمن، ومن دمشق إلى بغداد كما يعتقدون … واللاعبون الصغار، إن لم يُحسنوا التموضع، فمصيرهم التهميش… أو التصعيد.
• من الجولاني إلى الشرع… هذا زمن الذئاب
مَن لا يقرأ المتغيرات بلغة المصالح، سيُؤكل في لعبة الكبار.
الجولاني لم يعد ذلك الرمز العقائدي. لقد فهم اللعبة، وغير جلده، وباع تاريخه السياسي الدموي لقاء مستقبل مضمون ، وهذا ما يعتقده الرجل ، والمحور الخليجي بدوره فهم أن ورقة التطرف قابلة لإعادة التدوير.
أما قطر، فهي اليوم أمام لحظة مكاشفة: هل تنضم لقطار المصالح؟ أم تختار طريق العزلة؟.
لكن ما أعطت أمريكا الشرعية الاحد ، إلا وقلبت عليه ، وغدا سنرى هل تحول الجولاني الإرهابي ،الى شرع حمامة سلام ، أم هو مجرد وقت سيعود إلى سيرته الأولى.